السبت، أبريل ٣٠، ٢٠١١

أن تكتب كالبني آدمين

الكتابة من الأعمال التي لا تؤمن بنظريات أو فلسفات تشرحها وتشرّحها في ذات الوقت ، فحينما ألج في سم خياط النص تنتابني أحاسيس لا قبل لي بتخطيطها ، فكم من المرات التي سألت فيها مدرس اللغة العربية إن كان ما يقوله كتاب الوزارة صحيحا أو أنه يفتري علي الشاعر الفلاني ما قاله في قصيدته الفلانية تحت اسم " مواطن الجمال " ، ولا أخفيكم سرا أن أكثر الجمل قبحا في أذني كانت " أجاد الشاعر في اختيار كذا " .

فلو كان الأدب بهذه الطريقة والكتابة الأدبية شعرا أو نثرا أو أي نوع من الكتابة الأدبية لتنحي المؤلفون ليرتقي مكانهم علماء الرياضيات والكيمياء والفيزياء فهم أكثر تنظيما وتخطيطا ووعيا وادراكا للمعني الذي لم يظل في بطن الشاعر بل غادرها لموطن من مواطن الجمال .

هل جربت ان كنت ممن أصابتهم حمي الكتابة أن تقرأ نصا قديما لك؟ ان هذه المحاولة الجنونية تدفعك لكي تصدق ما أقوله من أن الكتابة لا يخطط لها ، فأنا أقف محتارا أمام كتابات قديمة لا أتذكر المناسبة التي قلت فيها هذا الكلام ، بل وأشك أحيانا أن مافي هذا النص هو من صنعي في جملته وأستغرب هل أنا من كتبت هذا ؟

نعم الكتابة عمل متوازن ومتناسق وكلما رتبت له وأعددت له صار النتاج قويا ومبهرا ، ولكن نحن نتحدث عن عملية الميلاد لا المخاض ، فأنا اعلم كم من المرات التي تلف وتدور وتكتب جملة او بيتا للشعر ثم تمزقه ثم تعود إليه ثم تغيره كلية وثم وثم إلي أن تبتسم في رضا عن مولودك الأدبي

ويحكي لنا التاريخ النقدي عن أن أكثر فترات الشعر سوءا تلك التي صار فيها الشعراء كالبناة فهم يهتمون بالشكل والموطن الجمالي – يبدو ان الموضوع قديم – والادوات اللغوية دون جوهر الموضوع وحدث هذا في العصر العباسي

كما أنه للانصاف فإن كثيرا من المتلقين يعجبهم هذا النمط الابداعي والمبالغ فيه فلا أحد ينكر أن المصريين عادوا لحب الشعر بل وترديده مرة أخري مع صوت شاعرهم الصعيدي المحبوب هشام الجخ دون النظر فيما هية ما يكتبه وهل سيصنفه التاريخ شعرا أم أهازيج .

كما أننا نعيش اليوم حالة جديدة من الافتعال الأدبي ، تخطت مرحلة الاهتمام بالشكل دون الجوهر ، فهي لا تقتصر علي افتعال المفردات وفقط بل تمادت لتفتعل الحالة الأدبية اصلا ، وقد لاذ هؤلاء جميعا بمظلة الحداثة ليتقوا قطرات النقد القليلة – للأسف- الموجهه إليهم

فبعد أن كنا نستغرب بعض الألفاظ في كتابات شباب وشابات جيلنا مثل الايدولوجية والتقوقز والتقوقع والحالة الهلامية في اللاانتهاء البؤري صار الموضوع أكثر نضجا حينما تقرأ مقالا كاملا لا تعرف صاحبته الفرق بين التاء المربوطة وتاء التأنيث وهي في الأصل تكتب نقدا لنص شعري عنوانه الباذنجانة القرمزية !!!!!!

وهناك من هذه الحالات المستعصية الكثير والتي تزكم أنفك لمجرد قراءة الاهداء لكتاب أو ديوان شعر حينما تري كتابا للأطفال وقد صدره صاحبه بإهداء جديد من نوعه فهو يقول " إلي أجاثا كريستي ملهمتي " ، والذي ألف ديوانا شعريا لقصائد نثرية وقال في الاهداء " إلي رمسيس الثاني ..... أبو الشعر الحديث " ولا أريد أن أظلم الفتي فربما كان يقصد عم رمسيس بائع الجرائد علي الكوبري الثاني بتاع غمرة

لقد فطرنا الله علي الذوق الرفيع فلا تنكر أنك - إن كانت نفسك سوية – تشمئز لسماع صوت كائن من كائنات الغناء اليوم أو من قصائد لقيطة وجدت علي باب جامع فالتقطها احد المارة ، او كتاب مصري لرجل من صعيد مصر يتحدث فيه عن الميتافيزيقا في شعر الريس متقال

المسألة ابسط بكثير مما يتخيل البعض ، فليس بالتشنج اللغوي وحده يصل الانسان ، أدام الله عليكم فطرته

ليست هناك تعليقات: