السبت، أبريل ٠٢، ٢٠١١

الجزيرة

لا أعرف تحديدا من اختار لها هذا الاسم ، لكنه لم يكن يعرف أنه سيدخل التاريخ من عند الدوران وتحديدا من أمام غرزة عماد

كانت كل مشاريعي تمر بمخيلتي وهي تتهاوي وتسقط في درج مكتبي ، لأعود ألعن الحظ العثر ثم ما أن استجمع شيئا فشيئا شجاعتي حتي ، اصيغ دراسة جدوي جديده لمشروع جديد

هذه المرة لن أفشل ، فالمقاهي فقط في بلدنا لا تخسر ، والمقهي هذه المرة مواكب للعصر فهو سيبر لغة ومعني .

ثلاث شهور تحاول ان تبحث عن خرم ابره لكي تستأجر فيه سيبر ولا تجد ، حتي صادفنا قريب ، واقنعني ان الجزيرة تصلح ولما لا فهي تعج بالسكان

كانت أقرب للنكته من أن أفكر في هذا الحل ، فالجزيرة كما هي تعج بالسكان ولكنهم ليسوا سكانا من كوكبنا بل هم سكان من كوكب ثالث ، حيث أنها ملاذ المدمنين ، والساقطين في آبار الغيبوبة المؤقته والدائمة .

" يعني هي جت علي دي ، وانت من ايمتي بينجح لك مشروع يا عم جرب "

هكذا قلت لنفسي وأنا أوقع علي عقد الايجار مع الخواجه سعيد ، وقد اتفق الطرفان علي تأجير ماهو مساحة شقه ومحل بالدور الأرضي .

كان الموضوع أقرب للمغامرة منه إلي التجربه ، تم إعداد المكان بما يتناسب مع وجود غرفة سرية ومطبخ وحمام والباقي مساحه طوليه هي قوام السيبر

تجهيزات وديكورات وحواسيب حديثه وخدمة انترنت عالي السرعه ، وافتتاح يليق بهذا البذخ ، وكهرباء تنقطع في ليلة الافتتاح .

أوراق ، وتأمينات ، وشرطة مرافق وكهرباء ، وتصريح من أمن الدولة كنت أعرف مسبقا أنني لن أحصل عليه .

موظفون ، وعساكر ، وأمناء شرطة ، ومصنفات ، تحمل الحاسب الخاص بي شهريا ومحضر ، وليلة في الحجز وعرض علي النيابه ثم افراج من سراياها وقضية تحكم بخمسة الاف جنيه غرامه وحبس سنه فمحامي وفاتورة مزورة لنسخة ويندوز اصليه وبراءة والف جنيه أجرة يد

المشهد غير سار أنا أعرف ، ولملمة الأوراق تلوح في الافق اسرع مما كنت أتخيل ،وصراع الاحتفاظ بدراسة الجدوي مع أخواتهن بالدرج قائم كل لحظة .

إلا أنني هذه المرة ودون تردد أرفض ليس كرها في الفشل ولا حبا في النجاح ، لكن هناك عند منتصف ليل الجزيرة ما يدفعني للبقاء

" قطب صابر" الحلاق الملاصق لي والذي يغلق دكانه ليدلف عندي طالبا في اول مره تعارف ان " أعمله ايميل " ويطلب مني أن يكون البريد الالكتروني باسم " جولدن فينجرز أت ياهو " ، ثم يقرر ككل البني أدمين انه عفريت في النت بس المشاغل ثم كل ثانيه يطلب منك أن " تخش له رووم "

"محمد بوحه " الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره والذي بدأ حكايته معي انه يريد أن يفتح الايميل خمس دقائق بربع جنيه ليصبح في نهاية المطاف رفيقي في السيبر.

" عماد حمدي" - نعم عماد حمدي- صاحب غرزة الدوران والمسجل خطر والمخبر في آن واحد والذي يستأذنني في أول مرة أن اترك ابنه " مصطفي " يشوف الزباين اللي عايزه تشرب حاجه لينتهي بي المآل متعاركا معه لتعديه علي " بوحه " بالضرب ومنعه من عمل الشاي في السيبر .

" صابر الدكش " البلطجي الذي سمعت عنه مليون حكايه وحكايه كلها لا تشبه بعض ، والذي بدأت قصتي معه بخناقه كادت أن تودي بحياتي في ليلة غبراء لاعتراضي علي استخدامه حمام السيبر ، لكي نصير في نهاية المطاف أصدقاء يعطيني مشغل الموسيقي الذي يستخدمه في السرفيس ويقول في حماس " عبيلي الام بي ثري يا درش "

" الخواجه سعيد " الذي لم ينسي طوال مدتي معه يوم واحد من كل شهر والايصال ، ولم يقطع ذلك حبل الود لكي أكتب له طلب للمحافظ كل أسبوع للاستيلاء علي قطعة أرض جديده

" حماده الأبيض " الشاب ذو البشرة السمراء والذي يفاجئني كل اسبوع ، فمرة تاجر آثار ، ومرة نقاش ، ومره مقطع السمكه وديلها والذي لازمني في السيبر اكثر من عشرة ايام متصله لأكتشف فيما بعد أنه هارب من تنفيذ حكم غيابي بثلاث سنوات .

" محمود شوال " سائق التاكسي وصديق محمود الليثي المطرب وابن البلد العتره والملتزم دينيا أحيانا والذي لا تستطيع ان تكتم ضحكتك وهو يقول معلنا أن عمرو خالد دا كفاءة .

" بدر وشلته " طلاب كلية الطب البيطري والعائدون للتو من بلاد النفط ليلتحقوا بالجامعه والذين عكفوا سنوات طويله يطاردونني في " ميدل اوف اونر "

" حلمي ورفاقه " خريجي الجامعه الذين لا يملون من كتابة سيرة ذاتية ومن الولوج في ثرثرة ليلية دون نسيان " اشبك لي الكاميرا علي الجهاز دا "

" نسوان كتير " كن قد تطورن مع الزمن لكي يتحدثن مع ازواجهن العاملين ببلاد الله مرة كل أسبوع

" نيرمين " جارتي الحسناء والطالبة في معهد من المعاهد لم يستفزني مره من المرات الطوال التي تحدثنا فيها ان اسالها معهد ايه ، والتي قالت بالحرف الواحد اول مره " وقت مفتوح " ثم انتهي بها الأمر " هقعد بجنيه واحد بس " .

" أم أحمد الفسخانيه " والتي كانت تأتي ومعها بنتها المبالغة في تزينها لحد الانحراف ، وتصر علي أن يكون جهاز العروسه الصغيره بجوار ها وهي تهاتف اخو جوزها في ايطاليا .

" استاذ منير " تاجر أخشاب واب لاربعة بنات والمهتم بالبورصه واسعار الذهب اليومية دون دخول السيبر وتنتهي مهمتي عند ابلاغه بالاخبار .

" أم محمد ابو جمعه " زوجة حارس العقار والتي تملأ الأزيار وتفك مني ورقة بخمسين جنيه كل صباح .

" بنات المدرسة الثانوية الرياضيه " اللائي يهربن صباحا لكون الملجأ لهن وهن يتباهين بأن كل واحده عندها مائة ايميل .

" جمعية الصم والبكم " والتي تحجز المكان كله لعشرون فرد يتحدثون عبر برنامج " الكام فروج " .

" عم خليل " عسكري النقطه المواجهه لي والذي ظلت طابعة النقطه بدون حبر ثلاث سنوات لكي يمص حبر طابعتي بتذليل لطيف " الباشا بيقولك متشكرين " .

" عباس جنديه " وجنديه هي أمه وهو للوهلة الأولي يبدو مخيف ومجرم محترف ، لكنه صارحني في ليلة ليلاء " الواحد مش عايز غير الستر " وقام منتفضا مدججا بمطواته قرن الغزال التي معه منذ أن كان في ليبيا قبل أن يفتحها عليه المولي ويأخذ اتاوة شبكة الفضائيات بالمنطقه .

" القادمون من منقريش " قريه ملاصقه للجزيرة وهم لا يأتون بخير ، فبين طالب اعدادي تكتشفه عندما يدير الشاشه عن الأنظار أنه يتابع موقع جنسي ، وبين رجل قادم لا يدرك معني ان " الياهو " دا لحم ودم واحيانا بيتعب .

" غامضون " في كل يوم تلقاهم ، منهم من يكون في عجلة من أمره ، ومنهم من تقطعت به السبل فقرر ان يتخذ السيبر فندقا دون وجبة مقدمه .

ظللت ثلاث سنوات اتحرك في المساحه بين الغرفة التي تقبع لجوار السيبر بباب سري ، وبين المكتب الذي اقضي فيه كل يوم قبل أن يغشي عليا إن لم ينبهني أحد أنني ابدو وكأنني لم أنم منذ اسبوع .

هنا وجدت ضالتي ، عالم سحري ما بين الواقع وما بين الخيال المتمثل في الشبكة العنكبوتيه ، كنت في اشد الحاجه لأن تدخل هذه المتاهه لكي أغسل أحزاني علي مشاريع فاشله ، بمشروع لا يقل فشلا وإن بدا لي رحلة حول العالم ، كنت اتلذذ بمتابعة هذ الكوكب من حولي وانا كالشمس التي تدور في فلكها هذه الكائنات ، لكم احن للجزيرة ، المكان والناس ، والناس بكل مافيهم من اجرام وكذب ونصب ومداهنه ونفاق وشر ونبل في بعض الأحيان .

ليست هناك تعليقات: