الأربعاء، أبريل ٠٦، ٢٠١١

الوحدة

هي من الاشياء التي تفردت بها لغتنا العربية ، كأن تحمل الكلمة معنيين متضادين ، فكلمة سليم تعني معافي وتعني لديغ ، والتعزير وهي التعظيم وفي نفس الوقت التوبيخ واللوم . ولن ننتهي من كتابة المفردات التي تدلل علي ذلك . وعلي الرغم من أن الوحدة حملت معنيين متضادين لكن ظل الكثير منا يعيش في مساحة المعني الواحد لها .

وللوحدة رونق خاص بالأذن ، فعلي المستوي السياسي من منا من لم يسمع عن " وحدة مصر والسودان " ومن بعدها " وحدة مصر وسوريا " وللتعميم جاءت " الوحده العربية " دون الخوض في ماهية كل وحدة من الوحدات السابقه ، وفي الشأن الداخلي كثير من الوحدات التي كنا نسمع بها ، "كالوحدة المحلية " لمركز ومدينة كذا ، وتفرعت منها "الوحدة المحلية" لقرية كذا ، والمنبثق عنها جميع الوحدات ، الصحية ، والهندسية ، وفلتت الزراعة لتكون "الجمعية الزراعية" دون أي وحدة . وفي مرحلتي الاعدادية سئمت من الاستاذ " جرجس " مدرس الانجليزي وهو يسأل يوميا " وصلنا " للوحدة " رقم كام .

وفي سياق التعود لكتاب الصحف ظلوا يكتبون عن "وحدة الصف" حتي الشهر الماضي . بل وسجلت موسوعات البحث العربية الكثير من الصحف التي تحمل نفس الاسم ، جريدة "الوحدة التونسية" ، وصحيفة "الوحدة اليمنية" والتي أثارت الشكوك حولها مؤخرا لتحريفها سورة " الفيل".

وفي عالم الرياضة ، لك ان تلحظ عدم اغفال الكلمة ، فهذا فريق "الوحدة السعودي" ، ونادي "الوحده الاماراتي" ، و"الوحده الدمشقي" أيضا .

ولم تخلو صورة ادبية ايا كانت من الكلام عن الوحدة ، ولعل أشهر الاعمال السينمائية التي لحقتها أجيالنا عن الوحده كانت للطفل المعجزة ائنذاك "ماكولاي كولكين " في فيلمه " وحدي بالمنزل " ولكن انا لا أنسي أبدا العبقري " توم هانكس " في فيلم " كاست اواي " .

ومن منا لا يتذكر الست في رائعة مرسي جميل عزيز " فات الميعاد " وهي تقول" وقسوة التنهيد والوحدة والتسهيد" ، ومن روائع الأغاني الشعبية يظهر لنا " وحيد والهام " لفتي الموال أحمد مجاهد ، دون أن ترهق نفسك في توافق الاسم لبطلي القصه .

وان تحدثت عن الشعر فحدث ولا حرج ،فقد برزت لي قصيدة " الوحده " للشاعر السعودي " خالد محسن القرني " وقصيدة " الوحدة " لبودلير ، وقصيدة "الوحده اليمنيه" للشاعر " محمد الجرموزي" ولكنني أكتفي بقصيدة شاعرنا " نزار قباني " وهي تحمل كل المعاني " رجل وحيد "

ألديك- سيدتي- سرير آخر

في الدار، إني دائما رجل وحيد

أنت ادخلي نامي

سأصنع قهوتي وحدي ،

فإني دائما ..رجل وحيد

وهناك العديد من الشخصيات التي حملت تصريف الكلمة في بطاقاتها الشخصية ، " وحيد فريد " ابو التصوير السينمائي بمصر ، " والسيناريست " وحيد حامد " ، والممثل الكوميدي " وحيد سيف " والشيخ علامة الهند المعاصر صاحب كتاب " الاسلام يتحدي " وحيد خان " ، والشيخ " وحيد عبد السلام بالي " ابن كفر الشيخ وأحد السلفيين المعروفين بأرض الحجاز ، وسماحة الشيخ " وحيد الخراساني " المرجعيه الايرانيه

وليس من الضروري ان أذكرك انك أنت تحديدا صادقت في عصور مضت من حملوا نفس الاسم لفترات ، وعلي المستوي الشخصي أتذكر الاستاذ" وحيد ابو الفتوح " والذي اصبح " الزعيم للأدوات المنزلية " ومن ثم لأبو احمد علي نفس اللافته .

حتي في عالم الحيوان ، يهاجم ذاكرتك المدرسية " وحيد القرن " والذي عاش مأساة حقيقية سنة 1970 عندما تعرض لمذبحة أودت بحياة ما يزيد عن 90 في المائه منه.

نعود للوحدة وفي دراسة مخيفه مفادها أن الوحدة ليست مجرد شعور ولكنها مرض معد

أجريت هذه الدراسة علي أكثر من 4 آلاف شخص على مدى 10 سنوات. فتبيّن أن احتمال إصابة المرء بالوحدة يرتفع في حال كان أحد المقربين منه يعاني هذه الحالة. ولا تقتصر العدوى على أقرباء المريض أو أصدقائه المباشرين. فقد تنتقل إلى صديق او صديقه أو ربما أحد أولاد اصدقاءه ..

ولكن يظل للكلمة سحرها الخاص برغم ما تؤججه من مشاعر غير مفرحه عند سماعها للوهلة الأولي ، فهي وقود للشعراء والكتاب لكي يسطروا معاناتهم وأحاسيسهم التي راحت هباءا منثورا ، وتبقي الكلمة شعور قاتل يفتح خزانة ذكرياتك السوداء ، عندما ضاعت محفظة نقودك في محطة رمسيس ولم تجد أي شخص يدفع لك تذكرة العوده .، وبالعودة للوراء حينما فجأة استيقظت من النوم لتجد كل أفراد أسرتك خرجوا وتركوك وحيدا في المنزل ، وقت ان كانت الأسر تخرج جماعه . ولا تزال تطارد الاحساس المرير حينما تمر علي مقبرة من المقابر بأنك وحيدا سيكون مصيرك ،

لكن بالرغم من كل ذلك ، تظل كأنسان غير راض عن اي شيء تحن لقليل من الحرية و " الوحده " تحت مسمي حداثي " الاختلاء بالنفس " . وعندما يثقل كاهلك الأقارب خاصة ، وبقية خلق الله عامة بما يفقدك السيطرة علي مشاعرك ، قد تدرك ساعتها قيمة أن تكون وحيدا .

ليست هناك تعليقات: