الاثنين، نوفمبر ٢٠، ٢٠٠٦

انقطاع السعال

الكون يلفه الهدوء ، الهدوء الذي يملأه علي استحياء ، تشوبه الأصوات المنبعثة من كل بيت ومنطلقة من فوق كل مئذنة ، لتؤذن بفجر جديد .

والحركة التي تسري ، بادئة بحركة الأجساد فوق الأسّرة والكنب والأرض مستعدة للنهوض لصلاة الفجر ، الحركة التي تبدأ بالبحث عن مفتاح اللمبة ، الحركة الصادرة من ترباس الباب ، لتكون الحركة الأخيرة سعي الأقدام ناحية المساجد .

كل الحركات تتدرج بالشوارع في إيقاع مكرر تكاد لا تميزها .

لتبقي حركته ... لا تخطئها أبدا ، تبدأ بفتح الباب وتنتهي بحركة اللسان ، بين فكين عجوزين ، يلهج " كريم يارب " .

لو رافقتني – يا صديقي – في تلك الرحلة اليومية ، لعرفت أنني لا أكذب عليك ، لكنت استشعرته مثلي ، أعرف أن بدايتك معه لن تختلف عن بدايتي . حتما ستبدأ من سعلته الشهيرة – المنطلقة – باستمرار وقت أن يواجه جسده النحيل هواء الكون ، إن كان برداً شتائياً أو نسيماً صيفيا

قالوا إن تلك السعلة ناتجة عن شربه للسجاير لأحقابٍ طويلة ، وقالوا لأنه أدمن – الحشيشة – وقيل لأنه مريض سل، أثر نومه بالعراء عندما كان خفيراً وعندما كان مجنداً في 48 .

لكنني أقول – وأعرف ثقتك بي – إن سعلته ليست نتيجة لأي سبب سوي أنها جزء من تركيبته العضوية وأؤكد – أنا صديقك – علي أنه ولد وعاش وهرم ساعلاً .

بدايتك معه ستكون سُعاله ، لتقف – بعد لحظات مثلي تماماً – عند صناعته السيجارة - نعم صناعته-

أجده مقرفصاً مكوّراُ جوار حائط بيتنا عجوزاً نحيلاً ملتفحاً – نفس اللاسة - ، يضم عضديه لضلوعه ، يحرك ساعديه – في ثبات - ، يخرج بيده اليمني من الصديري علبة صفيح ، لم ينل منها الصدأ ، يضعها أمامه علي الأرض ليضع يده اليسري في – السيّالة – مخرجا دفترا صغيرا يلتقط منه وريقات رقيقة ويغلقه ليعيده لمستقره – انتبه معي – إنه يطبق ألان بإبهام يده اليسري وأصابعها علي ورقة من الوريقات في اللحظة التي تحاول اليد اليمني مستعينة بالأرض ، فتح علبة الصفيح ، نجح في فتحها وانتهت مهمة يده – تابع معي – لقد بدأ توّاً إبهام اليد اليسري في التحرك يميناً ويساراً علي الورقة ، الدور الآن مهيأ لإبهام وسبابة ووسطي اليد اليمني لالتقاط التبغ .

انتهي دور إبهام اليد اليسري ، ليبتعد قليلا ، مع حركة اليد النصف دائرية ، حاملة الورقة ، بأصابعها الأربعة المتبقية ، ليبدأ العد ثلاث حفنات – شبه متوسطة – من التبغ ، تقوم بنقلها أصابع اليد اليمني الثلاث لتحتضنهم ورقة اليد اليسري .

حان وقت إراحة الأصابع ، لتبدأ الكفوف عملها ، كف اليد اليمني يضغط برفق ، علي الكف الأيسر ، انتهت الكفوف من العمل سريعا ، لا مشقة في ذلك ، تعاود الأصابع عملها ، يشترك الإبهامان ، الأيمن والأيسر ، والسبابتان والأوسطان لكلتا يديه إنهاء العمل

يقترب وسطي اليد اليمني ، من وسطي اليد اليسري حتى يتلامسا ، ويلتصق كل سبابة بوسطي يده ، ليصنعا سيراً توضع عليه الورقة المحمّلة بالتبغ ، ثم يبدأ الإبهامان ، في طي الورقة ولفها ، بدراية الخبير الماهر ، لم يتبقي سوي ختم ، ليصرح بتداول السيجارة ، بالفعل يستحلب لسانه ليمر بطرفه في حركة خاطفة علي ناحية من ناحيتي الورقة .

الوقت وقت الخبراء المدربين الأمناء ، انسحبت كل الأصابع لم يبقي إلا التي ستحتضن السيجارة

إبهام ، وسطي ، سبابة اليد اليمني يبرمون مؤخرة السيجارة .

أعرف أن الصورة التي أنقلها لك غامضة، إذ من المؤكد أنك ستتساءل ولماذا أكدت أنني سأقف عند لفّه للسيجارة ؟ أعترف أنني كغيري من الكتّاب ، قد أخطئ في ترتيب صورة قبل أخري ، إذ كان لزاما عليّ أن أنقل لك صورة يديه أولا

"إنه يناديني ، وأنا حافي القدمين ، أرتدي لباسا وفانلة لونها الأصلي أبيض ، إنها نفس الأيدي التي تعمل أصابعها في مصنعه الخاص للسجاير ، لكنها مرتعشة ، نعم مرتعشة ، وقد أمسكت بمحفظة كبيرة جداً من الجلد الأحمر الدموّي ، تنتهي بسلسلة ذات طرف مندّس بين طيات جلبابه "

من قصة " انقطاع السعال " 2002

ليست هناك تعليقات: