السبت، يونيو ٠٤، ٢٠١١

شهر من الحصر والحسرة معاً

في تمام العاشرة تأهب ثلاثتنا ، أنا ومعي اثنين من الهيئة الانجيلية المشرفة علي المشروع ، لدينا شهر بكامله لحصر ذوي الاحتياجات الخاصة في المركز وكانت المفاجأه أنه لا توجد لدي أي جمعية من العاملين بهذا المجال كشوف رصد لتلك الحالات وهذا يُعني أننا لا نعرف أصلا ً العدد الصحيح لهؤلاء .

وجدتهم قد قسّموا المركز لعدة مناطق حسب الأهمية ، اعتمدوا علي خط الفقر استناداً لأن مثل هذه الاعاقات التي في الغالب نتجت عن شلل أطفال ظلت ماما سوزان تحارب فيه ولم يمهلها القدر إعلان النتيجة .

سنتحرك بسيارة ولكن بداخل القري والكفور والنجوع لا يجوز ولا تستطيع ، فهو يوم طويل جداً حيث أنني بيني وبين المشي تار بايت للدرجة التي تدفعني للتمنّي ولو للحظات أن أدخل الحمام بسيارتي .

المشكلة التي كنت أفكر بها طوال الطريق بالاضافة لموضوع المشي هي أننا نتحرك تجاه المجهول ، فنحن لا نعرف إلي من نذهب ، والكوارث التي ستنجم بمجرد دخولنا أي قرية أو نجع من النجوع والتي لا يدركها رفيقا الدرب .

فليس من السهل اقتحام حياة البسطاء بهيئتك المدنية ، خاصة حين تسأل عن عوراتهم ، والإعاقة في تلك الأوساط عار يتقوه ، ماذا نفعل ؟

قررت وبسرعة أن أفعل كما يفعل باقي المهتمين ... قليل من الكذب

" احنا جايين نجمع أسماء اللي عندهم اعاقات علشان في اعانات ليهم "

طبعا نجحت الفكرة ، وبدأت الناس تساعدنا ، وتحمس بعضهم فرافقنا ، وتحمس اخر فنادي في ميكرفونات المساجد ، واستغربنا وتحاشانا كثير ايضا .

كانت الصدمة الأولي لي وأنا الذي عملت منذ كنت طالبا بالاعدادي في هذا الحقل أن أجد أشخاص لم أرهم في أي اجتماع أو مؤتمر أو ندوة ، واكتشفت أن من أعرفهم كانوا كمن يحضرون البرامج الفضائية للضحك والتصفيق مقابل قروش قليلة أو وعود زائفة .

" الحقائق كالزبادي تتغير بمرور الوقت " هكذا تغيرت الحقائق لدي ، وهكذا قابلت اناسا يحتاجون للدمج مع أسرهم قبل ان ندمجهم في مجتمع لا يعرفهم ، عم عبد الله يجلس من أربع وعشرين عاما في السرير هل تتخيل أن تظل في غرفة كل هذه السنين ولا تبرح مكانك حتي لقضاء الحاجه حينما سمعت به كنت أدرك أنني سألاقي شبحا يسكن مقبرة ، لكنني فوجئت بوجه ضحوك وقلب مؤمن ولسان ذاكر فبادرته لما تحرم العالم منك يا عم عبد الله فقال لم يد لي أحد يده يا أستاذ

ورباب وهدي الفتاتين اللتين رأيتهما غصباً وعلي مضض من أمهم التي جعلتني أقسم ألا أخبر أحداً أنها أم لطفلتين رائعتين في سن السابعة وتخبئّهم كالأواني بالدار خوفاً من شماتة الناس.

أي دمج جئت أنا حالماً أن يحدث إذا كان هناك عقول خارج اطار الانسانية والفهم بل والرحمة ، لا ألوم أهليهم قدر ملامتي للمحيطين والمتعلمين منهم ألا تتفقون معي أن ما يحدث لا يختلف عن الوأد الذي مارسته الجاهلية ؟

وجدت فيمن أهملناهم طاقات لا حدود لها ، وكيف ظلمنا أنفسنا قبل ان نظلمهم بالاستغناء عنهم ، وكيف يتشبثون ببقايا أمل ونحن لا نمد لهم شعاع ضوء في عتمة انعزالهم .

فماذا حدث بعد أن انتهينا من الحصر ؟ غداً نعرف إن كنا من أهل من الدنيا ............

ليست هناك تعليقات: